برنامج على الأثر – الحلقة الثانية عشر | خيركم لأهله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً كثيراً.
هُم بالحبيبِ محمدٍ وذَويه، إنَّ الهِيامَ بحبِّه يُرضيه.
إن ماتَ جِسمُك، فالهوى يُحييه،
جَسَدٌ تَمكَّنَ حُبُّ أحمدَ فيه، تاللهِ إنَّ الأرضَ لا تُبليه.
سادةٌ تعرَّفوا على الله، وتعرَّفوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فسلكوا مسلكه ورفعوا رايته.
«خيرُكم خيرُكم لأهله» قال الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال تعالى بعدَ أَعُوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيم، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا. فجعل الله سبحانه وتعالى هذه الزوجة سَكَنًا ورحمةٌ، وجعل بينهما المودّة، وجعل بينهما الأُلفة، وجعل بينهما ذلك العطاء. لأنّ هذه المرأة تنتقل من بيت أهلها لتأتي إلى بيتك أيها الرجل.
فسنّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قانونًا، وهو قدوتنا، قدوة الخلق أجمعين، الحبيب الكريم، سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم. هذا الحبيب عليه الصلاة والسلام أرشدنا إلى أن نُعامل زوجاتنا بأخلاق محمدية بحتة.
ورد في بعض الأحاديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يجلس ليلةً في بيته الشريف. وضع رأسه على فخذ أُمّنا عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها. وكان ينظر إلى السماء، فقال: «يا عائش، يا عائش، التفتِي إلى السماء» أو كما قال. فالتفتت عائشة إلى السماء.
فقال: «أرأيتِ النجوم؟» قالت: نعم يا رسول الله.
قال: «إنّ النجوم في السماء على عدد حسنات عمر بن الخطاب» رضي الله عنه.
فتحرّك ما تحرك في قلب أمّنا عائشة، وهي تعلم أن أقرب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو أبو بكر رضي الله عنه، فقالت: «يا رسول الله، وكم هي حسنات أبي بكر؟».
فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «يا عائش، إن عمر وحسناته، حسنة من حسنات أبي بكر» رضي الله عنه.
علَّمنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كيفية التعامل مع الزوجة.
قال عليه الصلاة والسلام: «إنك لن تُنفق نفقةً تريد بها وجه الله، إلا أُجِرتَ عليها، حتى اللقمة تضعها في فيّ زوجتك».
كان سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما ذكرت السيّدة عائشة رضي الله عنها، كان في بيته: يخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخصف نعله، أي يقوم بشؤون البيت، يُعين زوجته. وما أحوجنا في هذا الزمان أن نتعرّف على هذا الخُلُق العظيم.
الزوج الآن يعود إلى البيت بعد يومٍ شاق من العمل، فيمدّ رجليه ويقول: “أنا أنام أو أجلس، وأنتِ تعملين كلّ شيء!”
لكن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في حالٍ مع أصحابه، يعمل معهم كلّ شيء، ويخدم مع الناس، ويجلس مع الفقير، ويجلس مع الغني، ويقوم بالدعوة إلى الله، ويعلّم الناس، ثمّ يعود إلى بيته، ولم يكن إلا ماذا؟ إلا رقيقًا لطيفًا.
وأوصانا في آخر وصية: «اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء».
لذلك، سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسطر لنا منهجًا في كيفية المعاملة الحسنة: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، حتى مع زوجتك. فإذا رأيتَ منها خُلقًا لا بدّ أن تصبر عليه، وتعالجه بما هو أحسن. اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبنا.
ابن أبي زيد القيرواني نموذج. كنا تكلمنا عنه في حلقات سابقة. زوجته، كما رُوي عنه، كانت شديدة. يقول أهل تونس “شمطاء سليطة اللسان”، حتى كانت تأتيه بين طلابه، فتقول له كلامًا لا يليق: “قُم أعلف الأغنام! قُم افعل كذا وكذا!” فكان لا يردّ عليها، ويبتسم. وكان طلابه يرون منه ذلك السمت الحسن. كيف أنَّ زوجتَهُ كانت تُسيءُ إليه، ولا يُعامِلُها إلّا بالمعروف.
والعجيب، رُويَتْ قصة طريفة: توفيت زوجته، فدفنها، وصلى عليها، ثم نظر إلى القبر وقال: “طالِق، طالِق، طالِق!”.
فقالوا: “يا سيدي، الطلاق لا يمضي بعد الوفاة!”.
فقال: “رحمه الله، إنما امتثلتُ لأمر الله، ولم أرد أن يُبتلى غيري بها. وإنما صبرتُ عليها في الدنيا، لا أريد أن تكون زوجتي في الجنة”. صلى الله على سيدنا محمد.
وإنَّما أتى بها مشايخُنا، هذه القِصَّة، لماذا؟ حتّى نَتَبَيَّن، وحتّى نَتَعَرَّف، وحتّى نَتَعَلَّم أنَّ الإنسان لا بُدَّ أن يَصبر، وإنَّما وصَلَ إلى الولاية مَن وصَل، كثيرٌ من النساء والرِّجال، بسبب صبرهم على أزواجهم، أو صبرهم على نسائهم.
“خيرُكم خيرُكم لأهله”، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنا من هؤلاء الذين امتثلوا للقول، وأكرموا بالعمل بجاه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والحمد لله ربّ العالمين.