برنامج على الأثر – الحلقة الثالثة عشر | التضحية – ج1

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدِنا محمَّدٍ، وعلى آلِ سيِّدِنا محمَّد، كما صلَّيتَ على سيِّدِنا إبراهيم، وعلى آلِ سيِّدِنا إبراهيم في العالمين، إنَّك حميدٌ مجيد.

دَعْ ما ادَّعَتْه النصارى في نبيِّهم *** واحكمْ بما شِئْتَ مَدْحًا فيه واحتَكِمْ،
وانسِبْ إلى ذاته ما شِئْتَ من شرفٍ *** وانسِبْ إلى قدرِه ما شِئْتَ من عِظَمٍ،
فإنَّ فضلَ رسولِ اللهِ ليس له حدٌّ *** فيُعربُ عنه ناطقٌ بفَمِه.

يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ﴾ [العنكبوت: 69].

التضحيةُ خُلُقٌ عظيم، جعله اللهُ عزَّ وجلَّ لِيَعرِفَ الناسُ حقيقةَ “لا إله إلا الله”.
ضحَّى الأنبياءُ من قبل، حتى وصلوا إلى رسولِ اللهِ ﷺ. ضحَّى الصحابةُ من بعده، حتى أوصلوا للناس كلمةَ “لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله”.

التضحيةُ: بذلُ النَّفْسِ، أو الوقت، أو المال، لأجلِ غايةٍ أسمى، ولأجلِ هدفٍ أرجى، مع احتسابِ الأجرِ والثوابِ عند اللهِ عزَّ وجل. فالأجرُ أولًا وآخرًا منه سبحانه وتعالى. لكنَّهُ سبحانه وتعالى طالبَ من عبادِه، كما يضحُّون لأجل الدنيا، أن يضحُّوا لأجلِه، وجعل النتيجة عظيمة. ما هي النتيجة؟ “أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشر”.

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَـٰكِنَ طَيِّبَةًۭ فِى جَنَّـٰتِ عَدْنٍۢ ۚ وَرِضْوَٰنٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 72].

ماذا تريدُ أيها المؤمن؟
من أرادَ سعادةَ الدنيا وسعادةَ الآخرة، فليس له إلا أن يتبع ما جاء به سيِّدُنا محمَّد ﷺ. إذ إن كلَّ السعادة، وكلَّ الخير، إنما هو في اتباع رسول الله ﷺ. لم يترك لنا بابًا من الخير إلا أرشدنا إليه، ولم يترك بابًا من الشر إلا ونهانا عنه، صلى الله عليه وآلِه وسلم.

ومن أراد أن يلتفت إلى حالِ أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، في حال الهجرة: عندما كان الضيق، سيِّدُ الخلقِ هذا. لو طلبَ من اللهِ سبحانهُ وتعالى أن يُنزِلَ الهدايةَ على كلِّ الخَلقِ، لهَداهم. ولو طلبَ من اللهِ سبحانه وتعالى أن يُعطيَ الخَلقَ ما شاء، لأعطاهم. لِمَاذا؟ لأنَّ دعاءَهُ مُستجابٌ، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ضحَّى ﷺ ثلاث عشرة سنةً في مكة، وكانت تلك التضحيةُ، حتى إنَّ بعضَهم كان يضعُ على ظهرِه ﷺ سَلَ الجزور، وهو ساجدٌ في مكّة عند الكعبة. حتى إنَّ بعضَهم ضربه على رِجلَيهِ الشريفتَين. حتى إنَّه، لمّا ذهبَ إلى الطائف، وضعوا له سُفَهاءَهم وصِغارَهم، لِيَجتمعوا على أذيّته ﷺ.
ولكنَّ الله نصرَه. ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 40].

خرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، من أين؟ خرج من مكّة إلى غارِ ثور في اليومِ الأوّل من ربيعِ الأوّل، معه رجلٌ وترك رجلاً، معه رجلٌ وترك رجلاً. ترك رجلاً أوّلًا في فراشه يُدافع عنه، ضحّى بنفسه، ضحّى بذاته، كان يمكن أن يدخل عليه المشركون فيُجْهِزُون عليه ويقتُلونه، ولكنه قال له: يا علي، تَغَطَّ ببُرْدي.

وخرج مع رجل، أبو بكر الصِّدِّيق، ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: “لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”.

بل أكثر من ذلك، معاني التَّضحية تظهر في الهجرة، حتى في امرأة، تلك المرأة التي كانت تقسم نطاقها على نِصْفَين، سُمِّيَت “ذات النطاقين”، أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. لماذا؟ لأنها كانت تحمل الطعام إلى رسول الله وأبيها أبي بكر رضي الله عنهم.
هذه التضحية أمامها خطر جسيم عظيم، خطرٌ يُؤدِّي إلى الموت، خطرٌ مع شيء من الترهيب الذي جعلته قُرَيْش لمن كان يتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم.
هذه التضحية، ضحّى بها من؟ ضحّى بها أبو بكر، وعليّ، وأسماء، ومن دخل دائرتهم.
ثَانِيَ اثْنَيْنِ

بعض مشايخنا رحمهم الله، كانوا يقولون كلمة: “عاتب الله كل الخلائق إلا اثنين مع رسول الله”. عاتب الله كل الخلائق، إلا اثنين، استثنى منهم الذين خرجوا مع رسول الله، والذين دافعوا عن رسول الله.
“إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ثَانِيَ اثْنَيْنِ، إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”.
قالوا قديمًا:

“كن مع الله، ترى الله معك، واترك الكل، وحاذر طمعك”.

وصَلِّ يا ربِّ وسلِّم على سيِّدِ الأنام، سيِّدِنا محمّد، وعلّقنا به يا رب، وافتح لنا بابه بجاهه عندك، صلّى الله عليه وآله وسلَّم.
والحمد لله ربِّ العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى