برنامج على الأثر – الحلقة الحادية عشر | كظم الغيظ

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين.
يا ربِّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمدٍ، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما صلَّيت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.

يقول الله سبحانه وتعالى عن سيِّدنا رسول الله ﷺ: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”. كيف لا، وهو النبيُّ الأكرم، والحبيب الأعظم، سيِّدُ الأوَّلين والآخرين.

يقول سيِّدُنا عليُّ بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، فيما ذكره الترمذي في الشمائل: “لم أرَ قبله ولا بعده مثله”.
القدوة الكاملة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ للبشرية ليقتدوا بها: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

فهذه القدوة الكاملة من نظر إليها اعتبر. من تعلَّق بها تعلَّم. من سار مسيرها كانت عاقبته في الدنيا خيرًا ونِعمة، وفي الآخرة جنَّةٌ ورضوان. كيف لا، وهو النبيُّ الأكرم، سيِّدُنا محمد ﷺ.

علَّمنا رسول الله ﷺ الأخلاق، ومن أعظم الأخلاق: كظمُ الغيظ. قال عليه الصلاة والسلام: “من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفِذه، بعثه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوس الخلائق يوم القيامة”. يعني: العجيب في الأمر أن الإنسان يعمل في هذه الدنيا، فيرى نتيجة عمله في الآخرة.

كلُّ عملٍ له ثمرة. وخاصةً إذا كانت الأعمالُ قلبيَّة، لماذا؟ لأن الأعمال القلبيَّة هي سبب الفتح، وسبب نظر الله سبحانه وتعالى. أليس قال لنا رسول الله ﷺ: “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”. إذا صلح القلب، صلح الجسد، المحرك الذي يحرك الجسد هو القلب. فإذا ترقَّى القلب وتنقَّى وابتعد عن الرذائل، كانت نتيجة ذلك أن الجسد يطيع الله طاعةً كاملة، فثمرتها دخول الجنة.

قال ﷺ لرجلٍ ينصحه: “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس”.
علاج تكلمنا عنه في الحلقة السابقة. لكن من العلاج الذي ذكره النبيُّ ﷺ حتى الانسان يدخل في دائره كظم الغيض ولا ينفذ غيضه : قال: “إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تُطفأ النارُ بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”.

إرشادٌ نبوي، علاجٌ لحالة إنسانٍ كان في ثوران. لأن الغضب مالذي يفعل؟ يثير القلب. وسبب إثارة القلب الغضب الذي هو من الشيطان كما ذكرالحبيب المصطفى صلى الله عليه واله وسلم.

ذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول لنا: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فضيّقوا عليه المجاري”. قالوا: “كيف نضيِّق عليه يا رسول الله؟”
قال: “بالصيام”. أي بترك الشهوات؛ لأن حبُّكَ للمالِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ المالُ سيَنْقُصُ، يَغْضَبُ الإنسانُ. حبُّكَ للدُّنيا، كُلَّمَا كَانَتِ الدُّنيا سَتَنْقُصُ، يَغْضَبُ الإنسانُ. حبُّ الأشياءِ تَعَلَّقَ القَلْبَ بِهَا، يَجْعَلُ…

فأشارَ صلى الله عليه وسلم في المعاني التربوية، فقال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”.
وعلمنا صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الرجلَ إذا غضب أو تهيا تهاج قلبُه، فعليه أن يكثر من قول: «أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ»، يستعيذ بالله سبحانه وتعالى ليتعلق ويرجع القلبُ لعلاقته بربه، ويبتعد عن إبليس اللعين، نعوذ بالله منه.

سيدنا أبو ذر رضي الله عنه، أنموذجٌ. كان رجلاً صالحاً. كان عابدًا زاهدًا. كان رضي الله عنه له منهج خاص، تعلق بالحبيب الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. كان من الملازمين. أحبه رسول الله، وأحب وفنى في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان له عبد، فقام ذلك العبد يريد أن يخرج ما في قلب أبي ذر من الأذى.

في بعض الأحيان تكون محاطًا بأناس، مع أنك لم تؤذهم، إنما هو ما في قلوبهم يخرج، يريدون إيذاءك ولو بإدخالك في معصية الله سبحانه وتعالى.

سيدنا أبو ذر رضي الله عنه كان له عبد قام ذلك العبد بكسر رجل شات له، فكُسرت رجل الشات فصارت عرجاء. سأله أبو ذر رضي الله عنه، فقال: “من كسرها؟” قال له: “أنا كسرتها عمدًا. قال: وفعلت ذلك لأُغيضك فتنتقم مني وتضربني فتصير آثماً”.

نظر إليه أبو ذر رضي الله تعالى عنه. الضرر المادي لحقه في الشاة، والضرر المعنوي لحقه في كلام العبد له.هذا عبد سيء. فقال له: “والله لأغضن من صلتك علي. أنت حر لوجه الله سبحانه وتعالى”. فاعتقه وكظم الغيظ وعفا عنه. فكانت النتيجة أنه أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا مقتدين بهؤلاء السادة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يرزقنا البرور، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. وصلِّ وصلِّ يا رب وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى